هل الأناجيل تمثل أربع
شهادات مستقلة ؟
(إشكالية الموائمة assimilation )
تحميل المقال
أظهرت
(الإشكالية الإزائية) بما لا يدع مجالا للشك وبالأدلة القطعية أن الأناجيل ليست شهادات مستقلة , وإنما هي
مصادر قد اعتمدت على بعضها البعض , فمتى ولوقا ما هما إلا عملية مراجعة ونتقيح
لمرقس مع بعض الإضافات من مصدر مشترك مجهول (Q
) .
لكن
هناك ظاهرة أخرى أكدت هذا الأمر من اتجاه ثان, فالإشكالية الإزائية أثبت (عدم
الاستقلالية في مرحلة التأليف), لكن هناك إشكالية الموائمة assimilation التي أثبتت (عدم الاستقلالية في مرحلة النسخ) .
كشفت
المخطوطات وجود رغبة قوية ومنتشرة على نطاق واسع جداا لدى تقريبا جميع نساخ القرن
الرابع والخامس والسادس الميلادي في جعل النصوص والفقرات المتشابهة في الأناجيل
متطابقة تمام التطابق, حتى في أدق التفاصيل , وكان إنجيل متى بالذات هو مصدر
الإلهام الأكبر لدى النساخ , فقد كانوا يقومون بتغيير نصوص الأناجيل الأخرى من أجل
جعلها تطابق إنجيل متى تماما , وهي الظاهرة التي جعلت موسوعة النقد النصي تضع
قاعدة تقول :
(القراءة
الغير متوية هي المفضلة )!
أي
إذا وجدت نصا في إنجيل مرقس مثلا مختلف عليه في المخطوطات , وإحدى القراءات تجعل
النص مطابق لإنجيل متى والأخرى لا تجعله مطابق فإن القراءة الأصح هي هذه الأخرى
وليس القراءة الأولى , لأن النساخ كانوا يميلون لجعل النصوص المتقاربة والقصص
المتشابهة يجعلونها متطابقة تماما وخصوصا مطابقة لتلك المذكورة في إنجيل متى .
تقول
موسوعة النقد النصي :
(
هذه العملية تعرف ب " موائمة المتوازيات assimilation
of parallels
". كان لدى النساخ ميل لجعل النصوص متماثلة.)
(This
process is known as “assimilation of parallels.” Scribes have a tendency to
make texts read alike.)
The Encyclopedia of New
Testament Textual Criticism by Robert B. Waltz Inspired by Rich Elliott Pg 13
ويقول فليب كومفرت :
(كما كان يحدث عادة أثناء انتقال نص الأناجيل من
بعد القرن الرابع فإن الإعلانات الإلهية عن يسوع كانت تتم موائمتها)
“As often happened in the textual transmission
of the Gospels (especially from the end of the fourth century onward), divine
proclamations about Jesus were harmonized.”
Philip W. Comfort, New
Testament Text and Translation Commentary, p.195
فيما
يلي أحد الأمثلة التي تدل بوضوح على ظاهرة ( الموائمة ) , توجد فقرتان واحدة في
متى 24 والثانية في لوقا17 , بينهما تشابه
في :
1- الموضوع :
يتكلمان عما سيحدث في المجيئ الثاني لابن الإنسان
2- الألفاظ والجمل:
استعمل كلاهما العديد من العبارات المتشابهة
يمكنك مطالعة ذلك بنفسك :
·
متى 24:
39وَلَمْ
يَعْلَمُوا حَتَّى جَاءَ الطُّوفَانُ وَأَخَذَ الْجَمِيعَ، كَذَلِكَ يَكُونُ
أَيْضاً مَجِيءُ ابْنِ الإِنْسَانِ. 40حِينَئِذٍ يَكُونُ اثْنَانِ فِي الْحَقْلِ،
يُؤْخَذُ الْوَاحِدُ وَيُتْرَكُ الآخَرُ. 41اثْنَتَانِ تَطْحَنَانِ عَلَى
الرَّحَى، تُؤْخَذُ الْوَاحِدَةُ وَتُتْرَكُ الأُخْرَى. 42«اِسْهَرُوا إِذاً
لأَنَّكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ فِي أَيَّةِ سَاعَةٍ يَأْتِي رَبُّكُمْ.
·
لوقا 17 :
30هَكَذَا
يَكُونُ فِي الْيَوْمِ الَّذِي فِيهِ يُظْهَرُ ابْنُ الإِنْسَانِ. 31فِي ذَلِكَ
الْيَوْمِ مَنْ كَانَ عَلَى السَّطْحِ وَأَمْتِعَتُهُ فِي الْبَيْتِ فَلاَ
يَنْزِلْ لِيَأْخُذَهَا، وَالَّذِي فِي الْحَقْلِ كَذَلِكَ لاَ يَرْجِعْ إِلَى
الْوَرَاءِ. 32اُذْكُرُوا امْرَأَةَ لُوطٍ! 33مَنْ طَلَبَ أَنْ يُخَلِّصَ نَفْسَهُ
يُهْلِكُهَا، وَمَنْ أَهْلَكَهَا يُحْيِيهَا. 34أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ فِي
تِلْكَ اللَّيْلَةِ يَكُونُ اثْنَانِ عَلَى فِرَاشٍ وَاحِدٍ، فَيُؤْخَذُ
الْوَاحِدُ وَيُتْرَكُ الآخَرُ. 35تَكُونُ اثْنَتَانِ تَطْحَنَانِ مَعاً،
فَتُؤْخَذُ الْوَاحِدَةُ وَتُتْرَكُ الأُخْرَى. 36يَكُونُ اثْنَانِ فِي الْحَقْلِ،
فَيُؤْخَذُ الْوَاحِدُ وَيُتْرَكُ الآخَرُ». 37فَأَجَابوا وَقَالُوا لَهُ: «أَيْنَ
يَا رَبُّ؟» فَقَالَ لَهُمْ: «حَيْثُ تَكُونُ الْجُثَّةُ هُنَاكَ تَجْتَمِعُ
النُّسُورُ».
لكن
هناك نص في الفقرة في لوقا ألا وهو ( 17 :
34) غير موجود في متى , فقام النساخ بإضافته في فقرة متى الإصحاح 24,في أماكن
مختلفة في الإصحاح وبطرق مختلفة :
(1) بعضهم أضافه بعد
العدد (متى 24: 41)
(2) بعضهم اضافه قبل
العدد(متى24: 41)
(3) بعضهم حذف العدد
41 ووضعه بدلا منه !
هنا اتفق النساخ على شئ واختلفوا في شئ , اتفقوا على (رغبتهم في إضافة النص
حتى يجعلوا الفقرة مشابهة لمتى)
واختلفوا في طريقة التنفيذ
هذان الأمران يدلان على وجود رغبة منتشرة للغاية في العالم المسيحي في عمل
الموائمة حيث أن هؤلاء النساخ الذين اتفقوا في رغتبهم في إضافة النص هم أشخاص
مختلفون من أماكن مختلفة من أزمنة مختلفة كما سترى , وقد أكد هذا طرقهم المختلفة
في تنفيذ هذه الخطة (الرغبة).
يجب ملاحظة أن أمثلة الموائمة كثيرة للغاية في مشكلات العهد الجديد , بل هي
أكثر الأسباب التي دفعت النساخ للتغيير المتعمد , وقد مارسها نساخ جميع العائلات
النصية المخطوطية
النتيجة :
متى24: 41
الشواهد التي ظهرت فيها
هذه القراءات هي الشواهد الغربية تحديدا , انظر الجدول , بالإضافة للشواهد
القيصرية (مخطوطات العائلة 13 و أوريجانوس) التي تشهد للقراءة الثانية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق