من مشكلات النقد النصي
التوثيق الإجمالي الطولي
المتتبع لمنهج النقد النصي يجده يقوم
بما أسميه ( التوثيق الإجمالي الطولي) , أي توثيق العائلة ككل ويقصدون بالعائلة
مجموعة مخطوطات من حقب زمنية مختلفة , بمعنى أنه لما وجد العلماء أن المخطوطات منقسمة لعائلات قرروا
تحديد ما هي العائلة الأفضل إجمالا, ولم يقوموا بحديد ما هي المخطوطات الأفضل
تحديدا , فقالوا ( ـأغلبيتهم العظمى) بأفضلية العائلة السكندرية ,
الإشكالية الأولى تكمن في وصفها بأنها عائلة , ربما يتوهم البعض
أننا أمام عدة شواهد مستقلة تمثل أصلا مفقودا , هو الأصل للعائلة السكندرية , وهو
النص الأصلي , لكن هذا لا يمكن الجزم به , فربما كانت كل المخطوطات السكندرية هي
أيضا نتيجة لنص ابتدائي , أي هي كلها أبناء لأب واحد فقط ليس هو الأصل المفقود ,
وبالتالي يجب علينا الاختزال , اختزال كل المخطوطات السكندرية في مخطوط واحيد ,
وقتها فإنه عندما نقول ب( أفضلية العائلة
السكندرية) فنحن أمام احتمالية تحتم علينا استبدال هذا التعبير ب( أفضلية الأب
السكندري) أي المخطوط الذي يقف خلف كل هذه المخطوطات . للمزيد حول إشكالية النص
الابتدائي راجع الرابط بالتعليقات.
ووقتها نحن نوثق مخطوط وحيد في
الواقع .
الإشكالية الثانية :
على اي اساس تم توثيق هذا الأب
السكندري ؟
على عدة أسس منها :
1-
الأغلبية
العظمى من المخطوطات المبكرة تنتمي للعائلة السكندرية
2-
قراءات
النص السكندري هي القراءات الأصعب في
الغالب , ووفقا لقواعد النقد فإن القراءة الأصعب هي الأصح
, القراءة الأسهل = القراءة
التي لا تسبب مشكلات عقائدية للناسخ , القراءة الأصعب= القراءة التي تسبب
مشكلات عقائدية للناسخ.
فمثلا : إشكالية يوحنا 1: 28 حيث يخبرنا النص أن المسيح تعمد في بيت عبرة
على الحدود الأردنية الفلسطينية في نهر الأردن , المخطوطات الأقدم إلى القرن
السادس تقول ( بيت عنيا) , أيهما الأصح وفقا لقاعدة الاصعب ؟
بيت عنيا هذه ملاصقة للقدس
بيت عبرة على حدود الأردن على نهر
الأردن
القراءة الأولى تسبب مشكلة لأن بيت
عنيا ليست على نهر الأردت حيث وقع التعميد , الثانية لا تسبب مشكلة , إذن الأولى
أصعب , إذن الأولى أصح , لأن الناسخ المسيحي لن يتعمد تغيير النص بحيث يجعله يؤدي
إلى مشكلة بعد أن كان جيدا, بل العكس هو الصحيح , إن وجد إشكالية في النص فإنه
فورا سيقوم بعلاجها , هذا هو .
الآن يمكن للأب السكندري المبكر أن
يكون هو نفسه نتيجة لعملية تنقيح وتعديل مبكرة أكثر , فكما اثبت الدليل المخطوطي
أن العائلتين الغربية والبيزنطية الكبري هما نص مخترع عمدا بأهداف عقائدية لتعديل
النصوص , كذا ما الذي يمنع حدوث ظاهرة( المراجعة المتعمدة لتعديل النصوص ) مرة
ثالثة مبكرة؟
ما هو الواقي المتوفر في المجتمع المسيحي الذي يضمن
استحالة حدوث ذلك وقد حدث مرتان ونجح نجاحا منقطع النظير , حيث أن العائلة البيزنطية
هي كل المخطوطات تقريبا باللغة اليونانية والسريانية والقبطية وغيرها منذ القرن
الخامس إلى زمن الطباعة , والعائلة الغربية هي أكثر من 50% من مخطوطات العهد
الجديد مجتمعة !
سأعطي مثالا لشواهد سكندرية مبكرة
قامت بنشاط تنقيحي متعمد :
البردية 66 لإنجيل يوحنا ( يتأرجح
تاريخها بين أواخر القرن الثاني وبداية القرن الثالث)
· النص العلوي للبردية 66 هو نص
معدل عمدا بواسطة الناسخ بهدف
تحسين النص وعلاج المشكلات :
النص الممسوح قبل
التصحيح (نص سفلي) و المكتوب فوقه بدلا منه ( نص علوي)
توجد تقريبا 450
حالة تصحيح أجراها ناسخ البردية 66 , قام جوردن في
بتقسيمها إلى
أقسام حسب نوعها , ولاحظ أن المهم منها هو 84 عملية تصحيح , و
لاحظ جوردن في أنها كلها تقريبا عمليات تصحيح تهدف ل :
1-
تحسين القراءة من الناحية
اللغوية اليونانية
2-
جعل القراءة أسهل , أي علاج
أي مشكلة ناتجة عن القراءة الأخرى .
يقول :
( في كل حالة
تقريبا , فإن قراءة مصحح البردية 66 أسهل ـأو أوضح من
الناحية اليونانية . على
نقيض ناسخ البردية 75 , فإن ناسخ البردية 66 لم
يعكف على حفظ أفضل نص , بمعنى حفظ
ما كتبه يوحنا فعليا, لكن أفضل
نص بمعنى القراءات التي تجعل الأمر أكثر منطقية)
(in almost every
instance the reading of P66C is smoother or more intelligible Greek.
The scribe of P66, in contrast to the scribe of P75, was not bent on
preserving the
"best" text, in
the sense of what "John" actually wrote, but the "best"
text, in the sense of what reading makes the most sense.)
The Corrections of Papyrus Bodmer II and Early Textual
Transmission Author(s): Gordon D. Fee Source: Novum Testamentum, Vol. 7, Fasc.
4 (Oct., 1965), pp. 247-257
هنا تجد أن الناسخ كان يهتم بجعل
القراءة أكثر منطقية لا بجعلها أكثر مطابقة لما كتبه يوحنا
نحن لا ندري ما هو ( الأب السكندري)
, لكننا نعرف أن القراءات التي به كانت أكثر بدائية من غيرها مما جاء بعد ذلك ,
هكذا تجري الأمور دائما , فهو لن يكون إلا نسخة مماثلة لحالة البردية 66 .
مشكلة التوثيق الإجمالي غير (
الاحتمالية الابتدائية الموجبة للاختزال) هو أنه مخالف للمنطق وليست له فلسفة
عقلية , فكيف تكون هذه العائلة هي الأفضل في الوقت الذي توجد الكثير من
القراءات بها غير صحيحة ؟ أعنى هنا
القراءات الرسمية ( القراءات المتفق عليها بين مخطوطات هذه العائلة)
ثم تجد أحيانا كثيرة الانقسام داخل
العائلة
ثم ما من مخطوط على المستوى الفردي
في العائلة السكندرية إلا وقد أمسك في ذات الفعل , أعني إلا وقد ثبت أنه قام ناسخه
بالتحريف المتعمد في العديد من القراءات , وبالتالي أصبح لسان حال مفضلو العائلة
السكندرية :
( اتفاق الكذابين يعطي أفضلية
للقراءة ) !!
فكل واحد منهم على حدة ثبت أنه كذب
عدة مرات في عدة حالات , فكيف يكو ن اتفاقهم حجة هذا إن نحينا جانبا مشكلة اعتماد
كل مخطوط على سابقه وهو الأمر الذي يجعلنا أمام أنباء مخطوط واحد وليس عدة مخطوطات
مستقلة تمثل شهادات مستقلة , فاتفاقهم في الواقع لا قيمة له .
في الإسلام لا يحدث هذا التوثيق
الجماعي= اتفاق الكذابين يوجب الصحة ! بل يجب معرفة حالة كل راوي على حدة , فلا
تجد معضلة ( اتفاق الكذابين ) فالراوي إما ثقة بدرجاتها وإما ضعيف وإما كذاب , لا
توجد كارثة ( هذا المخطوط كذاب هنا لكنه
أمين هناك )!, ويجب معرفة علاقة الراوي بشيخه فلا نقع تحت مشكلة الاختزال , بل إذا
كان للحديث عدة رواة فهي عدة طرق مستقلة حقيقة , وقتها فإن اتفاق المسارات
المستقلة يوجب التوثيق للنص .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق