فائدة
الإجابة على هذا السؤال هو تحديد تاريخ البشيطا , والبشيطا هي نسخة مجهولة الهوية
للعهد الجديد باللغة السريانية , تعود للقرن الخامس الميلادي وفقا لرأي الأغلبية
الساحقة من علماء النقد النصي .
فائدة
تحديد تاريخ البشيطا هو إثبات وجود أو عدم وجود أي شاهد مبكر للنص البيزنطي
(العائلة البيزنطية ), العائلة البيزنطية هي إحدى عائلات مخطوطات العهد الجديد,
حيث أن مخطوطات العهد الجديد مختلفة فيما بينها اختلافات كثيرة ومتجذرة بحيث أن كل
منطقة كان لها النص الخاص بها , تنقسم المخطوطات لأربع عائلات ( السكندرية ,
الغربية , البيزنطية , القيصرية).
النص
المطبوع المنتشر في أيدي المسيحيين الشرقيين هو نسخة الفانديك , وهي نسخة ترجمت من
النسخة اليونانية التي أعدها إيرازموس في القرن السادس عشر والمسماة بالنص المستلم
, وكان إيرازموس قد اعتمد على 5 مخطوطات من الكتلة Kr
من العائلة البيزنطية .
وبناءا
عليه فلو ثبت أن العائلة البيزنطية متأخرة زمنيا , أي مخترعة في زمن متأخر - وهو
رأي الأغلبية الساحقة بالفعل من علماء المخطوطات " إجماع كوني universal consensus "- ,وقتها يصبح النص الحالي للعهد الجديد مزور مخترع .
المدافعون
عن النص البيزنطي على قلتهم قسمان , القسم الأول هو من علماء النقد النصي والقسم
الثاني هو من الشباب المتحمس أو من اللاهوتيين لكنهم ليسوا من المتخصصين , ليسوا
نقادا نصيين .
بخصوص
القسم الأول فليس فيهم أحد يدافع عن النص المستلم الحالي , فبالرغم من أنه متعتمد
على النص البيزنطي إلا أن البزانطة أنفسهم يرونهم أسوأ وأردأ من أن يمثل النص
البيزنطي – الذي هو نفسه أردأ العائلات النصية -
فالمناصرون للنص البيزنطي حين يدافعون عنه يوصون بضرورة تنحية النص الحالي
جانبا وتبني نص آخر يسمى نص الأغلبية البيزنطي .
هذا
القسم لا يستعمل البشيطا في الدفاع عن النص البيزنطي , لكن الذين يستعملونها هم
القسم الشعبي لو جازت التسمية من المدافعين .البشيطا نص بيزنطي في الأناجيل
الأربعة , لكنها نص غربي في باقي أسفار العهد الجديد ال22 , فالبشيطا تحذف خمسة
أسفار .
ظهرت
في أواخر القرن التاسع عشر نظرية مشهورة اكتسحت مجال النقد النصي بالكامل تسمى
" نظرية ويستكوت وهورت " , ملخص هذه النظرية أن العائلة البيزنطية هي
أردأ العائلات النصية وتكونت متأخرا في القرن الرابع على يد لوسيان الأنطاكي , والأدلة
على هذه الأمر خمسة , أربعة ذكرها ويستكوت وهورت والخامس يحتج لهما به, ومن أهم
هذه الأدلة هو :
أنه
لا توجد مخطوطة واحدة تحتوي على النص البيزنطي قبل المخطوطة السكندرية في القرن
الخامس , في حين أن باقي العائلات النصية لها مخطوطات تشهد لها من قبل القرن الخامس.
لهذا
إذا كانت البشيطا من القرن الثاني , فنظرية ويست كوت وهورت تسقط , وأصالة النص
الحالي في خطوطها العريضة ستعود في
الأناجيل الأربعة على الأقل إلى القرن الثاني – وليس باقي الأسفار- لكن إذا كانت
من القرن الخامس , وهي بالفعل كذلك , فإن نظرية ويست كوت وهورت باقية , ورداءة
العائلة البيزنطية مازالت ثابتة .
تأخر
تاريخ البشيطا هو أمر متفق عليه منذ بداية القرن العشرين مع اكتشاف المزيد من المخطوطات
وتطور علم النقد النصي .
فمثلا
, جورج لمسا صاحب إحدى أشهر النسخ المطبوعة للبشيطا , نسخة lamsa
, والذي يتبني الرأي القديم الذي كان يتبناه علماء القرن التاسع عشر القائل بأن البشيطا ترجع للقرن الثاني , يصرح بإجماع العلماء على أن البشيطا ترجع للقرن الخامس فيقول:
"سأضع
الملح على الجرح , الإجماع العلمي منعقد بأن البشيطا ....ترجمت من اليونانية بواسطة
رابيولا أسقف الرها ما بين عامي 412- 435م"
"To add insult to injury, scholarly consensus holds
that the
Peshitta …was translated from the Greek by Rabulla, the bishop of
Edessa from
412-435 AD."
ويقول
بروس متزجر:
] بخصوص العهد الجديد، فإن عملية
إنتاج البشيطا من السريانية القديمة بدأت ربما في أواخر القرن الرابع ،ويبدو أنها
استمرت على أقصى تقدير إلى زمن رابيولا أسقف الرها (411- 435 م).[
[As for the New Testament, the process of
producing the Peshitta version from the Old Syriac probably began before the
end of the fourth century and seems to have been completed no later than the
time of Rabbula, bishop of Edessa (A.D. 411–35)]
وتقول
موسوعة النقد النصي :
(
تاريخ البشيطا غير معروف ولكنها غالبا كتبت في القرن الرابع ويصعب أن تكون كتبت
بعد ذلك ).
The earliest Greek witness to the Byzantine
text is the uncial A, of the fifth century. The Peshitta Syriac is also largely
(though not overwhelmingly) Byzantine; its date is uncertain though it is
usually ascribed to the fourth century (and can hardly be later than this).
فمن
الأدلة على تأخر تاريخ البشيطا هو :
( جميع
مخطوطات البشيطا المكتشفة والتي يزيد عددها عن 300 مخطوط كلها من بعد القرن الخامس
, لا يوجد مخطوطة واحدة للبشيطا من قبل القرن الخامس)
وهذا
عدد ضخم للغاية , لا يمكن أن يكون مصادفة أن جميع هذه المخطوطات من بعد القرن
الخامس .
وهذه عدة قوائم بأسماء مخطوطات البشيطا وتواريخها من 5
مصادر , منها نسخة جي وليام النقدية الشهيرة للبشيطا , وكتاب ترجمات العهد الجديد
الشهير لبروس متزجر , وغيرها , ثم جدول قمت فيه بتلخص أسماء وتواريخ المخطوطات:
لن تجد اي مخطوطة في أي قائمة ترجع لما قبل القرن الخامس .
وتقول نسخة جي ويليام النقدية الشهيرة للبشيطا والمسماة ب" البشائر
الأربعة للبشيطا المقدسة, Tetraevangelium
Sanctum iuxta simplicem Syrorum versionem " , يتحدث المؤلفان عن نص النسخة فيقولان:
" النص اعتمد على عدد ضخم من المخطوطات من عصور مختلفة وأماكن مختلفة
, تتراوح بين القرن الخامس .. إلى النسخة اليعقوبية بامتياز والمسماة بمخطوط اللورد
كراوفورد المكتوبة في طور عبدين في القرن الثاني عشر."
"The Text is based on the evidence of a large number of MSS., of
various ages and different localities. They range from copies of the fifth
century… to such a distinctly
Jacobite copy as Lord Crawford's MS., written in Tur'abdin in the twelfth
century."
الدراسة
الحالية هدفها تقديم دليل آخر يثبت تأخر البشيطا وهو :
( كل
الآباء والكتاب السريان في تلك الفترة " القرون الأربعة الأولى" حين
اقتبسوا من العهد الجديد كانت اقتباساتهم توافق المخطوطات السريانية القديمة وليس
البشيطا , ولو كانت البشيطا مبكرة لكانت اقتباساتهم توافقها )
تقول لجنة UBS :
"نص شرقي آخر في
إنطاكية وقريبا منها , محفوظ اليوم في الشواهد السريانية القديمة وهي المخطوطة
السريانية السينائية والمخطوطة الكيوريتونيانوس للأناجيل ( تكتب في الجهاز النقدي
برمز syr s و syr c) وفي اقتباسات الكتاب المقدس في كتابات
قادة الكنيسة السريانية إفراهاط وإفرايم من القرن الرابع ."
Another Eastern type of text, current in and near Antioch, is preserved
today chiefly in Old Syriac witnesses, namely the Sinaitic and the Curetonian manuscripts
of the Gospels (cited in the critical apparatus as syrs and syrc) and in the
quotations of Scripture contained in the works of the Syriac Church leaders
Aphraates and Ephraem in the fourth century.
تنقسم
المخطوطات المكتوبة باللغة السريانية للعهد الجديد والمتوفرة حاليا إلى 6 اقسام,
كل قسم منها له قراءات خاصة به تختلف عن القسم الثاني وتميزه عنه , وهي :
1-
الدياطسرون
2-المخطوطات
السريانية القديمة vetus
syra
3-البشيطا
4-السريانية
الفلوكسينية
5-السريانية
الهرقيلينية
6-
السريانية الفلسطينية
أقدم
المخطوطات المتوفرة حاليا باللغة السريانية للعهد الجديد هي رقم 2 ( السريانية
القديمة) , وهما مخطوطتان تمثلان هذا القسم
:
المخطوطة السريانية السينائية من القرن الرابع
المخطوطة السريانية الكيوريتونيانوس من القرن الخامس
الآباء والكتاب السريان
المتوفرين من حقبة القرون الأربعة الأولى عددهم قليل للغاية , وهم تحديدا ثلاثة
" تاتيان ممثلا في الدياطسرون , إفرايم السرياني, إفراهاط السرياني " ,
لما نظر العلماء في اقتباسات هؤلاء العلماء
من
الشواهد السريانية المبكرة الدياطسرون , نلاحظ أنه عندما تختلف المخطوطات
السريانية القديمة مع البشيطا في قراءة ما فإن الدياطسرون غالبا ما يقف في صف
المخطوطات السريانية القديمة , بما يعني أن الدياطسرون كان يستعمل قراءات هذه
المخطوطات , ولا يقتبس من البشيطا , ونفس الشئ إفرايم وإفراهاط , بما يعني أن النص
الذي كان منتشرا ومهيمنا على سوريا في القرون الأربعة الأولى هو النص السرياني
القديم وليس البشيطا
الجدول
التالي يوضح القراءات التي خالفت فيها المخطوطات السريانية القديمة ( vetus syra) مخطوطات البشيطا , وموقف الدياطسرون منها
الأرقام
(1, 2, 3) إشارة إلى " قراءة أولى , قراءة ثانية , قراءة ثالثة" , حيث
كل قراءة مخالفة للثانية
دائما
قراءة الدياطسرون ما تأخذ رقم 1
عندما
تجد في نفس الخانة مكتوب رقمين معا مثل (
2, 1) فهذا يعني أن هناك انقسام في المخطوطات فبعضها يقرأ بالقراءة الأولى والأخري
بالثانية . وفي خانة المخطوطات السريانية
القديمة تحديدا فإن الترتيب له معنى , ف(2, 1) الرقم الأول يعني قراءة المخطوطة
السريانية السينائية , والرقم الثاني يعني قراءة المخطوطات السريانية الكيوريتونيانوس.
اللون
الأزرق :
يمثل
القراءة التي اتفق فيها الدياطسرون مع البشيطا ضد السرياني القديم , وهذه القراءة
في صالح أقدمية البشيطا
اللون
البرتقالي :
يمثل
القراءة التي اتفق فيها البشيطا + المخطوطة السريانية السينائية (ق4) ضد
الدياطسرون + المخطوطة السريانية الكيوريتونيانوس , أي القراءات التي حافظت فيها
البشيطا على أقدم شكل متوفر في المخطوطات السريانية . وهي أيضا في صالح أقدمية
البشيطا
اللون
الأحمر :
هي
القراءة التي وافق فيها الدياطسرون المخطوطات السريانية القديمة ضد البشيطا , وهي
قراءة في صالح أقدمية المخطوطات السريانية القديمة
اللون
الأخضر:
هي
القراءة التي اتفق فيها الدياطسرون + السريانية السينائية ضد البشيطا + السريانية
الكيوريتونيانوس , أي القراءات التي حافظت فيها المخطوطات السريانية القديمة على
أقدم شكل للقراءة ممثلا في الدياطسرون , وهي قراءة في صالح اقدمية المخطوطات
السريانية القديمة .
إجمالي
عدد القراءات التي اتفق فيها الدياطسرون مع البشيطا ضد السرياني القديم = 11 قراءة
إجمالي
عدد القراءات التي اتفق فيها الدياطسرون مع السرياني القديم ضد البشيطا = 19 قراءة
إذن قراءات الدياطسرون السرياني هي قراءات نص سرياني غربي قديم بنسبة 64%
تم الاعتماد في هذا الجدول على الجهاز النقدي
للجنة النقدية الدولية الشهيرة UBS في نسختهم النقدية الأحدث
للعهد الجديد GNT5th
Aland,
B., Aland, K., Karavidopoulos, J., Martini, C. M., & Metzger, B. (Eds.).
(2014). The Greek New
Testament: Apparatus (Fifth Revised Edition). Deutsche
Bibelgesellschaft; American Bible Society; United Bible Societies.
بالطبع
لا تتوفر حاليا نسخة سريانية للدياطسرون , لذا فكل العلماء يعتمدون على تفسير
إفرايم السرياني للدياطسرون
لذا
فنص الدياطسرون المعتمد هنا هو النص الذي يفترض أنه يمثل النسخة السريانية من
دياطسرون تاتيان السرياني وهي "
النسخة السريانية من تفسير إفراييم السرياني للدياطسرون " من القرن الخامس ,
حيث أن النسخة الأرمينية لتفسير إفراييم المذكور ترجع للقرن العاشر ! وبينها وبين
النسخة السريانية اختلافات كثيرة تدل على التعديل الذي جرى للنص عبر الزمن من أجل
تحويله على اليد النساخ من نص غربي لنص لبيزنطي , لذا تم الاقتصار في القراءات المذكورة على :
1-
القراءات المدعومة باتفاق النسخة السريانية والأرمينية لتفسير إفراييم
2-عند
اختلاف النسختين , فالقراءة المختارة هي قراءة النسخة السريانية لكونها الأقدم
بخمسة قرون تقريبا .
ولم
يتم الالتفات لنص الدياطسرون الإيطالي أو الهولندي أو اللاتيني لكونها متأخرة من
جهة , وليست باللغة السريانية من جهة أخرى , ومحل البحث هو دراسة نص النسخة
السريانية تحديدا من الدياطسرون .
ربما
يقول قائل بأن نسبة 65% : 35% لا تعني أقدمية مطلقة لأحد النسختين على حساب الآخر
, لكني أقول له بأن النقاد النصيون يعتبرون رقم 69% هو رقم كاف لتصنيف المخطوط ,
فلو وافق مخطوط ما القراءات الخاصة بالعائلة المخطوطية السكندرية مثلا بنسبة 69%
أو اكثر فهذا كاف لاعتباره مخطوط سكندري وهكذا , بعبارة أخرى أنت لن تجد نصا
سريانيا موحدا واضحا في الفترة المبكرة , في سوريا وفي غيرها , فالفترة المبكرة
يتسم فيها النص بأنه مائع هلامي غير منضبط, فلا تتوقع أن تجد نصا سريانيا قديما
نقيا أو نصا بيشطويا نقيا , فالتداخل في القراءات هو السمة الطاغية , لذا فالنقاد
النصيون يكتفون بنسبة تقديرية ك69%.
نقطة
أخرى وهي أن هذه الارقام اعتمادا على الجهاز النقدي لنسخة UBS
النقدية الشهيرة وهي صاحبة أقصر جهاز نقدي , بمعنى أنه لو أتيح إجراءها باستعمال
أداة نقدية أكبر ستكون النتائج في صالح النص السرياني القديم بشكل أكبر .
وبناءا
عليه فهذا دليل جديد ينضاف لسلسلة الأدلة التي تثبت تأخر تاريخ المخطوطة الخبورس ,
إنها إحدى مخطوطات البشيطا , والبشيطا ليست قبل القرن الخامس .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
Omanson, R. L., & Metzger, B. M.
(2006). A Textual Guide to the Greek New Testament: an adaptation of Bruce M.
Metzger’s Textual commentary for the needs of translators (p. xxiii).
Stuttgart: Deutsche Bibelgesellschaft.