* المثال الثاني:
مخطوط طوب قابي ساراي الشهير من منتصف القرن الثاني الهجري:
البقرة 25:
(كلما رزقوا منها من ثمرة رزقاً قالوا هذا الذي رزقنا من قبل)
كتب الناسخ لفظة (رزقا) بكتابة (رز) في السطر وكتابة (قا) أعلى السطر هكذا:-
وليس من الصعب أن نتصور سبب هذا التصرف, الأمر بكل بساطة خطأ عفوي, نسي الرجل كتابة حرفي (قا) ولم يجد لهما مكاناً في السطر فكتبهما أعلى الكلمة قليلاً, هكذا ببساطة , لأن لفظة (رز) لا معنى لها في اللغة العربية الفصحى. وبروباكر نفسه يعرف هذا جيداً , وقد قال بأن الأمر بالفعل خطأ نسخي عفوي غير مقصود, أورد ذلك في صيغة استفاهمية قائلا:
[ هل هذا خطأ نسخي بسيط بسبب تكرار رسم (فا) ؟ ]
[Was this a simple scribal mistake due to the repeat of the rasm form FA?]
Corrections involving the word rizq (provision) in early Qurʾans Daniel A. Brubaker / IQSA, November 2016, p.4.
وأنا بدوري أسأله " فإن لم يكن خطئاً نسخياً بسيطاً فماذا سيكون؟ ولماذا لم تقدم التفسير الآخر الذي تراه محتملاً؟"
* المثال الثالث:
مخطوط رقم NLR Marcel 8 من أواخر القرن الأول
الأعراف 160:
وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ
في المكان الفاصل بين (مشربهم....وما ظلمونا) توجد آثار عملية مسح، وقام الناسخ فوقها بكتابة المقطع ( وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ)، والملاحظ أن مساحة المسح مطابقة تماماً لمساحة المقطع المكتوب فوقها دون أدنى زيادة أو نقص.
طرح بروباكر:
لم يقدم طرحاً !! فقط ذكر أن هناك عملية مسح وإعادة كتابة !!
وأنا أقول:
كيف يمكن لعملية مسح وإعادة كتابة مقطع مكون من (12 كلمة + 3 أحرف عطف) أن يكون المقصود بها كلمة واحدة فقط (رزقناكم)؟
فلو تصورنا السبب مثلاً بأن لفظة (رزقناكم) لم تكن مكتوبة قبل المسح أي أن النص قبل المسح كان 11 كلمة + 3أحرف عطف، فتم المسح وإعادة الكتابة من أجل إضافتها قلنا بأن:
1- مساحة المسح مطابقة تماماً لحجم النص المكون من 12 كلمة وليس 11, وأيضاً مساحة الفواصل بين الكلمات عادية ولا تظهر فيها أية محاولات تضييق وتقليل مساحة لاستيعاب كلمة زائدة , بمعنى أننا لا نلاحظ أن محاولة تصغير لحجم الأحرف,وبالتالي فالنص قبل وبعد المسح يجب أن يكون 12 كلمة .
2-لو كانت لفظة (رزقناكم) غير مكتوبة قبل المسح ، وسنفترض أنه عن عمد, فالمعنى وقتها لن يستقيم لغوياً ,فليس بصحيح لغوياً أن يقول (كلوا من طيبات)، ولو سلمنا بصحته فليس من أسلوب القرآن، وأسلوب المؤلف قرينة من قرائن الترجيح عند علماء النقد النصي الاستردادي ويسمونه بالاحتمالية الأسلوبية intrinsic probability
3-التفسير المنطقي لما حدث هو أنه حدث للناسخ خلط ذهني سببه أخطاء الحفاظ ، فبسبب التشابه بين هذا المقطع وآية البقرة 57 استحضر ذهن الناسخ خطئاً مقطع آية البقرة ، ولما انتبه اضطر لإعادة كتابة المقطع كاملاً .
لنكتب المقطعين :
البقرة 57: وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ
الأعراف160: وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ.
الذي حدث أن الناسخ استبدل الهاء في (عليهم الغمام) و (عليهم المن) في الأعراف بالكاف في (عليكم الغمام) و (عليكم المن) من البقرة، من ثم لم يكن أمامه سوى مسح الفقرة بالكامل وإعادة كتابتها من جديد, وهذا يفسر مطابقة النص المكتوب بعد المسح للمساحة الممسوحة وللمساحة بين(مشربهم....وما ظلمونا) إذ أن إبدال حرف الكاف بالهاء لن يغير طول الكلمة.
* المثال الرابع:
مخطوط رقم MIA.2014.491, يقول بروباكر أنه قام بتصويره من متحف الفن الإسلامي بالدوحة .
الأنفال3 (الذي يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون)
نرى من الصورة أن عبارة (ومما رزقناهم ينفقون) مكتوبة على مساحة ممسوحة , ونلاحظ أن المساحة الممسوحة أكبر من مساحة عبارة (ومما رزقناهم ينفقون) مما يعني أن النص الممسوح كان أطول من هذه العبارة .
طرح بروباكر:
لم يقدم شيئاً يثبت به أن هناك تعمد لتغيير لفظة (رزقناهم), فقط كان مهتماً بإثبات أن الذي كتب عبارة (ومما رزقناهم ينفقون) هو شخص آخر عن الناسخ الأصلي , يقول بروباكر:
[أرى هذه الكتابة - ليست بخط الناسخ الأسلى. بسبب اسلوب الخط (لاحظ زاوية لاحظ الزاوية في قاعدة الألف في كتابة "مما") والحبر الأغمق والسن الأضيق]
[I judge this not to be the work of the original scribe, because of the script style (note in particular the angle at the base of the ʾālif of mi-mā), and the darker ink and slightly narrower nib.]
Corrections involving the word rizq (provision) in early Qurʾans Daniel A. Brubaker / IQSA, November 2016, p.6.
وأنا أقول:-
1- لماذا لا يصور لنا باركر الصفحة كاملة أو عدة صفحات حتى نرى نمط كتابة الناسخ الأصلي لنقارنها بنمط كتابة تلك العبارة ؟ هذه الصورة للمخطوط من مكتبة الدوحة غير متاحة في يد الجميع .
لماذا لم يقدم لنا جدول بصور حرف الالف في باقي المخطوط مقارنة بتلك الألف في تلك الفقرة ؟
2- هذا الفارق الطفيف لا يلزم منه الاختلاف في النساخ, فمثل هذا الشذوذ البسيط عن النمط المتعاد وارد عند اي ناسخ، يكفي رعشة خفيفة مفاجئة في اليد حتى تحدث بروزاً صغيراً غير مقصود في الحرف.
ولو انتهجنا هذا المنهج المتكلف المبالغ الذي انتهجه باركر فيمكننا من تلك العبارة نفسها أن نستخرج فروقاً في نمط الكتابة , لاحظ مثلاً الاختلاف في حجم دائرتي الفاء والقاف في (ينفقون):
ولاحظ الاختلاف بين حجم دائرة الميم الثانية في (ومما) مقابل ميم (رزقناهم):
ومسألة الحبر الأغمق فليطلعنا بروباكر على باقي الصفحة حتى نتمكن من الحكم ، أظن أنه تعمد تصوير ذلك السطر فقط دون باقي الصفحة ليمنعنا من ذلك.
3-لم يقدم بروباكر أي دليل على وجود أي تصرف يوحي بتعمد إخفاء كلمة (رزقناهم), فقط عملية مسح وإعادة كتابة ،فما أدراه أن النص قبل المسح لم يكن فيه مثلاً كلمة (رزقناهم)؟
4-التفسير الذي يشرح كل شئ وببساطة هو أن الناسخ حدث لديه خلط ذهني ، وقام بالخلط بين هذه الآية ( الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون) والآيات الأخرى الكثيرة في القرآن التي تقول ( الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ) بسبب التشابه الواضح بينهم، فكتب النص الثاني الذي فيه عبارة زائدة (ويؤتون الزكاة ) , خطأ حفاظ مشهور, ثم بعد ذلك انتبه هو للخطأ فاضطر لمسح الفقرة وإعادة كتابة الفقرة الصحيحة والتي هي أقصر من الفقرة القديمة بمقدار عبارة (ويؤتون الزكاة).
وسيلاحظ القارئ أن عدد الكلمات في السطر الأول = 6
(على-ربهم-يتوكلون-الذين-يقيمون-الصلاة)
وعدد الكلمات في السطر الثالث أيضاً = 6
(أولئك-هم-المؤمنون-حقا-لهم-درجات)
وبالتالي فمتوسط عدد الكلمات في السطر= 6، وهو المتوسط الذي سنجده تقريباً لو كانت العبارة قبل المسح في السطر الثاني هي (ويؤتون-الزكاة-ومما-رزقنهم-ينفقون) بمتوسط "5كلمات+حرف عطف"
*المثال الخامس:
مخطوط رقم( Ṣanāʿā muṣḥaf sharīf, 81v)
الأنفال26 : (فآواكم وأيدكم بنصره ورزقكم من الطيبات)
نلاحظ من الصورة أن المقطع الملون بالأحمر في الآية(فآواكم وأيدكم بنصره ورزقكم من الطيبات) مكتوب بخط أصغر مما قبله ومما بعده مما يدل على أن هناك عملية مسح وإعادة كتابة قد جرت
طرح بروباكر:-
لم يقدم بروباكر أي إثبات يفيد أن النص قبل المسح كان خالياً من لفظة (رزقكم) أو أي شئ يدل على وجود إشكالية في النص قبل المسح.
وأنا أقول:-
نحن أمام خطأ بصري من أخطاء النساخ المشهورة يسمى (Homeoteluton) ويعني خطأ النهايات المتشابهة الذي أشرت إليه في بداية البحث, سأعيد رسم تفاصيل ما حدث مع القارئ الكريم.
نلاحظ أن كلمة (فآواكم) الجزء الأول منها (فآو) مكتوب بالخط الكبير وباقي الكلمة مكتوب بالخط الصغير:
وسيلاحظ القارئ أيضاً أن لفظة (من) مكتوبة بالحرف الكبير بخلاف ما قبلها :
وبناءا عليه فالمقطع قبل المسح كان واقعاً بين (فآو...) و(من الطيبات), هذا أولا.
ثانياً نحن نجد أيضاً من الصورة أن متوسط عدد الكلمات في السطر الواحد = 5: 6 كلمات, وبناءاً عليه فالمقطع قبل المسح يجب أن يتكون من 3 كلمات، لأن الكلمات الموجودة بالفعل في السطر الثالث (السطر محل البحث) عددها 3 فيصبح الإجمالي6, هذه الكلمات هي ( كم ....من الطيبات), كلمة (كم) هي باقي كلمة (فآوا) المكتوبة في آخر السطر الذي قبلها مباشرة .
وبناءاً عليه فالسطر محل البحث كان يبدأ بلفظة (كم) حيث أن كلمة (فآواكم) كانت موجودة قبل المسح وبعده بدليل أن نصفها بقي مكتوباً بالخط الكبير، بما يعني أنها كانت قد كتبت قبل المسح ثم جرى تعديل على نصفها الثاني بعد المسح لمجرد تصغير جحمها لا لإيجادها بعد أن لم تكن .
الذي حدث أن الناسخ كتب السطر محل البحث هكذا:
حيث أسقط لفظة (بنصره) بسبب خطأ بصري سبب التشابه بين نهاية كلمتي (أيدكم) و (رزقكم) فبعد أن كتب كلمة (أيدكم) ورجع بعينه للنسخة ليكتب ليقرأ ما بعدها وقعت عينه بالخطأ على (كم) الخاصة ب(رزقكم) فأسقط ما قبلها (بنصره).
وبهذا يصبح عدد الكلمات في السطر محل البحث = 5 كلمات , وهو نفس متوسط عدد الكلمات في الأسطر المتاحة في الصورة . هذا ثالثا.
ثم رابعاً وأخيراً لما انتبه لوجود كلمة ساقطة (بنصره) اضطر لمسح العبارة وإعادة كتابتها بخط ضيق مع ترحيل حرفي (كم) الخاصين بكلمة (فآواكم) إلى السطر السابق للسطر محل البحث عن طريق مسحهما وإعادة كتابتهما بخط أصغر بجوار (فآو).
إذن خلاصة ما حدث :
( بسبب النهايات المتشابهة أخطأ الناسخ وأسقط لفظة "بنصره" فأعاد كتابتها من جديد بعد مسح الفقرة). لا أكثر ولا أقل .
*المثال السادس:
إبراهيم 32 (فأخرج به من الثمرات رزقا لكم )
كالعادة قدم بروباكر الصورة ولم يكلف نفسه عناء خدمة فكرته، ما هو مظهر العداء للفظة (رزقا)؟!!
وكعادته فقد قدم صورة صغيرة حتى لا يعطي فرصة للقارئ-هكذا يبدو- أن يعقد مقارنة بصرية بين الكلمات والحروف في الصفحة, الصورة المقدمة أعلاه صورتي, أما صورته التي قدمها في مقاله فهذه هي:-
لنخمن الإشكال نيابة عن صاحبه!! هل وجه الإشكال هو أن حرفي (رز) يبدوان بحبر أغمق من باقي الكلمات؟ هل هذا مثلاً قاد بروباكر إلى الاعتقاد بأن الكلمة مضافة؟ فلماذا باقي اللفظة (قاً) مكتوبة بحبر عادي غير غامق لو كانت اللفظة مضافة؟ الكلمة مكتوبة على سطرين , وبعد دمجهما ستصبح الكلمة هكذا:
نظرية(الكلمة مضافة) تعجز عن شرح سبب مجيئ المقطع الثاني بحبر غير غامق, بحبر مشابه لما قبله وما بعده, لماذا مقطع (قا) جاء بحبر فاتح لو كان اللون الغامق يفيد أن الكلمة مضافة؟
ثانيا: إذا كانت دكنة الحبر تدل على الإضافة فالمضاف فقط هو (رز) الداكنة وليس (قاً) فاتحة اللون, فأخبروني ما معنى (من الثمرات قاً لكم)؟!!!
ثالثا: المسألة ببساطة هي أن الحبر المستعمل يترسب بدرجات متفاوتة من الثقل, وهذا يفسر التفاوت في درجة لون مقطع (قا) نفسه, فتجد الجزئ العلوي مائلاً للصفرة والسفلي مائلاً للدكنة.
وهذه صور بعض الصفحات والكلمات من المخطوط لترى بنفسك تموه الحبر وتفاوته في الترسب بين كلمة وكلمة وحرف وحرف:-
لاحظ هنا وجود أسطر كاملة داكنة وأسطر كاملة فاتحة
ولاحظ هنا دكنة بعض الأحرف عن باقي الكلمة
رابعا: يمكننا إيجاد تفسير آخر للدكنة غير أن اللفظة مقحمة , فمسألة إقحام اللفظة منتفية تماما بسبب وجود مقطع (قاً) فاتح اللون, التفسير الآخر هو أن هناك من قام بالمرور على الأحرف الباهتة ليظهرها فيما يسمى بالتحبير.
فلم يتم كتابة أحرف زائدة بل فقط تم تحبير القديم, انظر الصورة التالية, ستجد عملية التحبير قد حدثت بالفعل للمخطوط, وستجد الحروف القديمة آثارها موجودة, غاية ما هنالك أن المصحح قام بالمرور عليها بحبر ثقيل ليظهرها بعد أن صارت باهتة.
* المثال السابع:-
مخطوط رقم BnF arabe 330
الكهف19:
(فلينظر أيها أزكى طعاماً فليأتكم برزق منه وليتلطف ولا يشعرن بكم أحداً)
سنخمن بالطبع وجه الإشكال نيابة عن الرجل ! يبدو أنه اعتبر صغر المسافة بين الكلمات في الآية رقم 19 علامة على التكديس المتعمد وبالتالي علامة على إقحام بعض الكلمات على النص والتي تحتاج لمساحة زائدة ومن ثم كان التكديس.
وأنا أقول :
عدد كلمات السطر محل البحث= 9 كلمات, وعدد حروفه = 35 حرف.
وهذه الأرقام هي في النطاق الطبيعي لمتوسط عدد الكلمات والحروف في السطر الواحد في هذه المخطوطة , وقد اخترت لمعرفة متوسط الحروف والكلمات تحديداً الأسطر التي بها دائرة حمراء كبيرة مثل هذه التي في السطر محل الدراسة :
حتى لا يتحجج أحد بأن وجود مثل هذه الدائرة في السطر أدى لتقليل المساحة المتبقية للحروف، فأحببت أن اقارن بين أسطر لها نفس الظروف النسخية وكانت النتيجة أن عدد كلمات الأسطر ذات الدوائر الحمراء الكبيرة يتراوح بين [7: 10] كلمات في السطر, بمتوسط 8 كلمات في السطر, وعدد الأحرف يتراوح بين [29: 35]بمتوسط 33 حرف في السطر.
فأرقام السطر محل الدراسة [35|9] هي في نطاق تلك الأرقام وذلك المتوسط , فلا يوجد أي تكديس.
ثانياً نحن لا نرى أي آثار لأي عملية مسح، بما يعني أن الكلمة أصلية في النص ولم تقحم , وبالتالي هو لم يكن بحاجة للتكديس لأنه كان يعرف مسبقاً بوجود الكلمة وسيترك لها مساحتها الطبيعية. فالذي يكدس ويقوم بتصغير حجم الكلمات لزيادة عدد الكلمات في النص الواحد هو شخص يحتاج أن يوفر مساحة لكلمات لم يكن في الحسبان إضافتها للنص، وهذا غير متوفر في حالتنا, فالكلمة كانت في الحسبان منذ البداية بدليل عدم وجود أي عمليات مسح في النص.
*المثال الثامن:-
مخطوط رقم BnF arabe 340
سورة الروم40 (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ)
يرى بروباكر دون أن يصرح طبعاً بأن المقطع قبل المسح كان عدائياً ضد (الرزق) ولم تكن فيه لفظة (رزقكم)، دون أن يقدم أي دليل على ذلك.
وأنا أقول بأن الأمر ليس فيه أي نية مبيتة تجاه (رزقكم) كل ما هنالك أنه قد حدث خطأ النهايات المتشابهة homeoteluton بسبب وجود 4 كلمات متتاليات كلهن ينتهي بنفس المقطع بالإضافة لكلمتين أخريتين منفصلتين في آخر الآية فيصبح لدينا في الآية 6 كلمات تنتهي بمقطع (كم) [ خلقـكم, رزقـكم, يميتـكم, يحييـكم...شركائـكم, ذلـكم], أدى ذلك لإسقاط واحدة منهن , ثم اثناء المراجعة تبين الخطأ فأعاد كتابة الكلمة الساقطة.
ثانياً يوجد في المخطوط الكثير من كلمات مادة (ر-ز-ق) فلماذا لم يقم الناسخ الأصلي بحذفها طالما أن لديه موقفاً من مادة (رزق)؟ لماذا هذه الكلمة بالذات في الروم؟ بل العجيب أن قبل هذه الآية بثلاث آيات فقط (الآية 37) وردت كلمة (الرزق) بخط الناسخ الأصلي!! فأين محاولات الطمس التي ينبغي علينا أن نقتنع بأن الناسخ الأصلي كان يقوم بها ؟!!
وهذه بعض نماذج لكلمات من مادة (رزق) وردت بالمخطوط:-
سورة هود 6 : (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ )
سورة هود88: (قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا)
سورة الروم37: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)
سورة السجدة16: (تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون )
سورة سبإ - ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك لهم مغفرة ورزق كريم (4)
سورة سبإ - لقد كان لسبإ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور (15)
سورة سبإ - قل من يرزقكم من السماوات والأرض قل الله وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين (24)
سورة سبإ - قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر ولكن أكثر الناس لا يعلمون (36)
سورة سبإ - قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين (39)
سورةغافر - هو الذي يريكم آياته وينزل لكم من السماء رزقا وما يتذكر إلا من ينيب (13)
سورةغافر - من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب (40)
سورةغافر - الله الذي جعل لكم الأرض قرارا والسماء بناء وصوركم فأحسن صوركم ورزقكم من الطيبات ذلكم الله ربكم فتبارك الله رب العالمين (64)
* المثال التاسع:-
مخطوط رقم (MS.225.2007) من متحف الفن الإسلامي بالدوحة , والصورة التقطها بروباكر بنفسه كما يقول .
سورة الشورى38:
(والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون)
الصورة كما قدمها بروباكر:
يقول بروباكر :
[ يوجد تصحيح في هذه الكلمة , يبدو هنا أن هناك عملية مسح ل (فبFB ) وكتابة (فباFBA) من أجل إضافة مقطع متحرك طويل في رزقناهم]
[42:38. MS.225.2007. there is a correction of this word, but it in this case looks like an erasure of FB and overwriting of FBA in order to add the long vowel to razaqnāhum.]
Corrections involving the word rizq (provision) in early Qurʾans Daniel A. Brubaker / IQSA, November 2016, p.9.
وكالعادة فرغم علم بروباكر أن هذه المخطوطة لا يكاد يمتلك أحد صور لها, وأنه تقريباً الوحيد على الشبكة الذي تكلم عنها,مما يعنى أن الجميع يحتاجون صورة كبيرة تشمل بضعة صفحات ونصوص حتى يمكنهم الحكم على الإشكالية إلا أنه أصر كعادته أن يقدم صورة صغيرة للكلمة دون تصوير بضعة أسطر قبلها أو بعدها , وأعتقد أنه يفعل ذلك عندما يكون إظهار الأسطر السابقة واللاحقة ضد طرحه ويهدمه.
أهمية إظهار مساحة من الورقة أنه يساعدنا على مقارنة الخط الأصلي لمعرفة هل هناك خط آخر وبالتالي ناسخ آخر قام بتصحيح أم لا, ويساعد في كشف هل هناك عمليات مسح أم لا من خلال مقارنة لون المكان محل البحث بباقي الورقة, ومن خلال متوسط عدد الكلمات والأحرف على النحو الذي بيناه في الأمثلة السابقة.
من خلال الجزء الذي نملكه من المخطوطة , وإن شئت قلت من خلال القصاصة التي اقتصها بروباكر يمكننا أن نرى لاشئ ! أنا لا أرى أي مسح وإعادة كتابة لأي شئ!
جميع الأحرف أصلية ولا إشكال فيها .
وإن أراد أحد أن يشير للون الداكن بجوار حرف القاف أقول بأنه غالبا من الأوساخ المعتاد التصاقها بالورق أو تغيرات اللون التي تحدث لبعض الأماكن في الورق مع الزمن , ولا يمكننا الجزم بذلك أو بعكسه إلا برؤية صفحات أخرى من المخطوطة لعقد مقارنة .
ولم يذكربروباكر ما هي الكلمة قبل التعديل المزعوم حتى يمكننا حل شفرة ماذا كان يقصد من عبارة (an erasure of FB and overwriting of FBA) , لا أدرى ماذا يقصد من الFB و FBA !
اعتقد أنه يقصد أن الكلمة كانت قبل التعديل ( ومما رزقهم ينفقون) ثم أصبحت ( ومما رزقناهم ينفقون), ولم يقدم لنا الدليل على ذلك.
ثم لم يبين لنا هل هذا من فعل الناسخ الأصلي أم تغيير لاحق,
ثم لم يقدم ما يدل على أن الأمر حدث بغرض تحريفي , بعبارة أخرى لم يقدم الدافع التحريفي, فما الذي رآه المحرف في كلمة (رزقهم) فخاف منه وقررتغييرها إلى الثانية مثلا(رزقناهم) , أو العكس أن كاتب النص الممسوح رفض كتابة (رزقناهم) عمداً لأنه خاف من شئ ما.
وبالتالي فلو سلمنا بوجود عملية مسح وإعادة كتابة فلن يكون السبب هو (تحريف متعمد لغرض ما) إذ لا مبرر لذلك, وإنما سيكون المبرر ببساطة خطأ عفوي سببه الخلط الذهني بين المتشابهات ( ومما رزقناهم) التي وردت 13 مرة في القرآن و (مما رزقهم) التي وردت 8 مرات, ثم قام الرجل بتعديل خطئه لما استبان الرشد ,وكان الله شاكراً عليماً .
وأنا أوجه سؤالاً لبروباكر:
في سورة الشورى التي استشهدت منها بالآية رقم 38 وردت ألفاظ مشتقة من مادة (ر-ز-ق) 3 مرات أخرى وهي الآيات رقم 12 و17 و27 فهل حدث فيها أي تلاعب بالمسح وإعادة الكتابة ؟
يقيناً لا وإلا لما توانى بروباكر في تقديمها , وكيف لها وهو من يهيم بين المخطوطات كما نرى بحثاً عن أي خدش بجوار كلمة من جذر(ر-ز-ق) ليفسرها على أنها مسح وتعديل لغرض غير شريف ! وبالتالي فالسؤال المنطقي:
لماذا ترك الناسخ تلك الأمثلة الأخرى لو كان لديه موقفاً ما من كلمة (ر-ز-ق) ؟
* المثال العاشر:-
مخطوط رقم Sanāʿā muṣḥaf sharīf, 262
سورة الذاريات57(مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ)
طرح بروباكر:
( يوجد إقحام لشكل من أشكال حرف الراء, النص يقول " ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون", في إشارة إلى أن الله لا يحتاج لشئ من خلقه , سواء جن أم إنس.)
(On the Sanāʿā muṣḥaf sharīf, 262r, an insertion of one of the R letter forms Verse reads ‘I do not desire provision from them, and I do not want them to feed me,” referring to the fact that Allah
has no need of anything from those whom he created, whether jinn or men.).
Corrections involving the word rizq (provision) in early Qurʾans Daniel A. Brubaker / IQSA, November 2016, p.9.
الصورة التي قدمها بروباكر لا تظهر إضافة أو حذف , يجب مقارنة الكلمة بباقي الكلمات في المخطوطة حتى نرى هل تشبه الكلمات الممسوحة المعاد كتابتها أم تشبه الكلمات التي تعرض بعض أجزاءها لاهتراء جزئي أو كشط طبيعي لبعض الحبر في الحروف بسبب الزمن والاحتكاك بين الأوراق وخلافه. فالزمن واحتكاك الأوراق ببعضها واللمس المتكرر مع رقة الورقة في بعض المواضع يمكن أن يؤدي لكشط طبيعي وليس بيد أحد, وأحياناً تفاعل الحبر مع الورقة .
وأظن أنه اكتفى بعرض جزء صغير من صورة الصفحة ليمنع من إجراء هذه المقارنة.
الخلاصة:-
[1] لم يقدم بروباكر تفسيره لهذه الظاهرة
[2]لا يمكن لأحد أن يفسرها على أنها تحريف ممنهج لأسباب:
1-عدم وجود دافع خلف التحريف
2-عدم وجود نموذج واحد لتحريف واحد منها مدعوم بأكثر من مخطوط (كلها قراءات فردية كالعادة)
3-عدم قيام الناسخ بتغيير جميع أمثلة اللفظة , بل فقط يغير(لو صح تسميته تغييراً) حالة واحدة ويترك الباقي , ولو كان يخاف من هذه اللفظة لأزالها من كل شواهدها.
[3] هناك فارق بين (الاختلافات المتعمدة ) و (تصحيح الأخطاء النسخية الغير مقصودة) وأمثلة بروباكر تنتمي للقسم الثاني.
[4] لا يصلح نموذج ل(تصحيحات فردية متنوعة لنفس اللفظة ومشتقاتها في أماكن مختلفة) لهدم تحدى (القراءات الفردية) بل يجب أن يكون نموذج ل(تحريف متعمد لنفس اللفظة في نفس المشكلة النصية.
يُتْبع بإذن الله تعالى